صورتي
الاسكندرية, Egypt
اصعب المعارك................................. تلك التى تهزمك دون ان تدخلها................ محظوظ من استطاع ان يخوض كل معاركه الحتمية........ ...............................................وعموما ..............................................الضربات التى لاتقتلك.................. اشد قسوة .................... سمير مصباح

الثلاثاء، ٢٩ يوليو ٢٠٠٨


ــــــــــــــــــــــــ فى عتمتها متسع لأحلامك ــــــــــــــــــــــــــــ



(1)
.. لماذا طويلا تتوقف اصابعكم ـ كلكم ـ عند هذه الندبه ؟ .. ولم أكن أعرف ، وتملكتنى رغبتى اللحوح فى أن أعُضّ تلك الدائرة القانيه الصغيرة التى يرتقدها نهدها الايمن بنعومة مغرية .. يحرص عليها ، ويخفيها عن أعين الغرباء ، وكلما اندست يدى تتلمسها شعرت أنه على وشك الانقضاض علىْ عاقرا يدى ،
عضضتها فانتفضت برقة ، ثم امسكت يدى وسحبتها الى مدائن أخرى ، وبحار طازجة ، وزغب ، وزبد ، وأمطار ، وأرتنى ملوكا تهوىٍ، وقراصنة يعربدون ، وحروبا تتقد ، وصعاليك يسمرون ، وأبوابا تفتح على أبواب تفتح على أبواب تفتح .. ووضعت نجمة ثلجية فى كفى وقالت: أججها .
صرخ صوت ( الميكروفون) فى المدرسة القريبة : [ضمى رجليكى يا بنت] .. فضحكنا حتى اسقط السرير حقيبة مدرسية كانت على طرفه القصى ..


(2)
.. اذا صادفتك عيونها ذات مساء ..، اذا أتيح لك ذلك للحظة عابرة ... ستعرف ان للجنة طريقا آخرا غير الموت .. ستسبح فى سماوات ليست لك وبحار لم تر بشرا قبلك .. سيأخذك السماوى الرقيق لتنزلق خفيفا من سماء الصيف الى سماء الخريف الى سماء يناير حتى يلقيك فى بحيرة داكنة من الازرق البكر المتوحش ، وهنا سوف تمسك بك تماما .. تغوص عاريا صغيرا ، تتحول الى هلام ، تتبدد وتتحد ببطء بالعناصر ...، ستعرف وجد الواصلين ، ولذة المجذوبين ، ومكابدة العارفين ...
يدان دقيقتان مستكينتان ، عينان ساذجتان ، شفاة بكر ، أنف مشدود دقيق ، وشعر كهالة الايقونات ... سوف تصرخ من أعماقك ، ستطلب الرحمة .. ستعرف أن النار والجنة ينبعان من بئر واحد .
... ثم لا شك أنك ستسأل نفسك : كيف يمنح الله كل هذا لمومس هبطت علىْ ذات شتاء كما يسقط العصفور البليل فى ليلة ممطرة ...؟
لم أشعر بها إلاّ حينما اندست فجأة فى جنبى ، كنت مستغرقا فى متابعة بقعة ضوء ضئيلة تسبح ساكنة نحو نقطة مبهمة ، تطفو بكبرياء هادئ فتزيد البحر غموضا ، والظلام ثقلا ، وصدرى انتشاء وحسرة .. داهمتنى ألفة عجيبة مع تلألؤها الخافت السحيق .. كان قلبى دافئا وفرحا ، وكانت بى رغبة فى البكاء ، كنت ارسم خرائط جديدة مليئة بالأحراش والغموض ، والبحر الذى استكان لها هناك يهدر تحت أقدامى هديرا مخيفا ،
هَمَسَت بصوت مرتعش : أنقذنى أرجوك .. وشارع البحر مقفرا فى شتاء يناير .. إلا منها ومنى ، ومن العربات المارقة ، ومن جسدين ضخمين وقفا يرقباننا من مسافة ليست بعيدة
كان سكونا وترقبا ، وثمة رائحة قلقة فى الهواء .. وهى تحتضن ذراعى كعاشقين فى لوحة رسام مبتدئ .. صمت البحر فجأة عندما بدأت خطواتهما القصيرة المترددة فى الاقتراب .. بينما هى هناك .. يرتعش ضوؤها بين التوارى والانبلاج .. التفت برأسى وبعينين متحفزتين تجاه القادمين .. فاصطدمتا بعينين قاسيتين .. ظللت ثابتا محاولا أن أضفى على نظرتى شراسة مستهينة .. ثم لمحت ارتعاشة خفيفة فى عينيه اللتين اقتربتا كثيرا ، تبادل بعدها نظرة مترددة مع صاحبه ، تبعتها نظرات مغلولة مرتبكة تصبها علىْ أربعة عيون قاسية مهزومة ، شعرت بسكينة وأنا أتابع وقع أقدامهما خلف المقعد ، وظلهما الذى مر أمامى على أحجار الكورنيش البيضاء دون أن يتوقف .......
إذا أمسكتك عيونها .. فليس ثمة مهرب .. بريئتان ومستسلمتان وطيبتان .. قلت:سأوصلك .. وما ان وقفتُ حتى رنت ضحكتها صافية طفولية .. فتذكرت أننى عادة ما أكون مخمورا فى ذلك الوقت .. قالت : يبدو اننى من ستوصلك .. عبرنا شارع " الكورنيش " ، دخلنا منطقة ( الشاليهات ) وهى لا زالت تتأبط ذراعى بعفوية .. أحسست أنها تعرف المنطقة جيدا .. فكرت أن أقول أشياء مسلية ومرحة .. غير أننى ظللت صامتا طوال الطريق .. تعجبت لأننى لم أكن سعيدا .. مبهورا ، وخفيفا كعصفور .. غير أننى كنت أحس إحساسا غامضا بالحزن والخوف .. ! جَذبَت المفتاح من يدى وراحت تبحث فى الضوء الشحيح عن ثقب الباب ، وتذكرت وأنا أتأمل ظهرها المنحنى أن (الغفير ) أبدا لم يغمز لى من قبل .. أحسست أن نظراته كانت أقرب لها منى ..

ما ان دَلَفَت من الباب حتى واجهتها اللوحة الكبيرة للمرأة ذات الجسد العارى والنظرة المستغيثة المستجدية .. ضحكت وهى تخبطنى على صدرى بميوعة ، فقدتها الى غرفة النوم ..
فى الصباح كانت غاضبة وصامتة ، وتجمع أشيائها بمهانة .. وقالت قبل أن تصفق الباب وقبل أن ينحبس صوتها وتُسقِط دمعة فوق بلاط بيتى : أتحسب أن هناك من استيقظت ذات صباح قائلة أريد أن أكون عاهرة ؟
بعد أيام ضبط نفسى أمزق اللوحة الكبيرة بعد نظرة طويلة الى عينى المرأة العارية .


(3)

مستسلما لـ"لوركا " تماما .. بعد أن بدد المطر كل الاحتمالات الاخرى لقضاء الليلة .. أذهلتنى الطَرَقَات الخفيضة ... لما تلبدت سماء الاسكندرية ، وخبأت نجومها ، وراحت تغسل ليلها البارد ، وتلألؤها الموحش الأنيس ، وطردت الشوارع ناسها ، واستسلمت بسكون لحمّامها الليلى .. قال الجالس الى جوارى فى الترام : انها ليلة عائلية .. فدب دفء فى عروقى ، وبهجة متلهفة فى صدرى المنقبض
فى الطريق ابتعت عشاء فاخرا ، وثلاثة زجاجات من (البيرة ) و ( لب ) (وسودانى) ، وهمست للبائعة باسما : انها ليلة عائلية ، وعندما اشتريت بآخر ما فى جيبى علبتى سجائر قلت : لا بأس انها ليلة عائلية ، حييت ( الغفير ) ببهجة وأنا أعبر بوابة السور المحيط بمنطقة (الشاليهات ) .. نصف ساعة أنفقتها فى تنسيق مائدة العشاء ، أصفّر بلحن مرح بعد أن أضأت أنوار (الشاليه ) كلها ...
اكتفيت بقطعة جبن وبعض البيرة ، أكملت ما تبقى من البيرة وأنا جالس أمام زجاج النافذة المغلق أرقب عتمة الخارج ، و أنصت باهتمام لصوت المطر و هو يداعب خواء الشاليهات ، والى صوت البحر الصاخب الذى حجبته عنى العمارات التى انتصبت بغرور بطول شارع "الكورنيش " .. قال لى صاحب الشاليه وهو يمنحنى مفاتيحه أنه فى زمن ما كان يمكنه أن يرى من هذه الشرفة ماء البحر ، وبئر مسعود ... بعد أن أتيت على الزجاجة الثالثة لجأت الى "لوركا "
استمر الطرق على الباب خفيض و لحوح .. دفعنى الفضول لمعرفة هذا الكائن الذى اجتذبه الضوء الذى أججته وسط عتمة الشاليهات التى لا تضاء الا صيفا .. بحذر فتحت الباب ... دخلت بسرعة ما إن سمحت لها بذلك .. ثم وقفت تنتفض صامتة ، يقطر الماء من شعرها وملابسها .. بدت كمن تبحث عن كلمات ، ثم هتفت فجأة و هى ترفع عينيها عن الارض لأول مرة : جائعة ..
قلت وانا أضحك : لا تبتئسى .. انها ليلة عائلية .. لم تضحك ولم تعلّق غير أننى أحسست بالطمأنينة تسرى فى ملامحها .. جلست أراقبها وهى تأكل بلهفة .. لم تنطق مطلقا و لا رفعت عينيها عن الطعام ، و لم تمتد يدها الى الاطباق البعيدة ...
تكسد تجارتهن فى الشتاء .. فيرحن يطرقن الابواب فى جوف الليالى .. كنت أعرف أن الغفير الداعر هو الذى يدلهن علىْ .. غير أننى لم أناقشه فى الامر ...
لاحظت أنها بدأت تأكل بتلكؤ .. تتعمد أن تطيل انتظارى .. انتقلت الى جوارها ، بدأت أتحسس عمودها الفقرى ففاجئتنى شدة بللها .. أحضرت لها احدى( بيجاماتى ) وضحكتُ عندما أخَذَتها من يدى و راحت تتلفت كمن يبحث عن مكان مستور ، ثم أشرت لها الى غرفة النوم
قالت بتوسل : أريد ان انام ... ساعة واحدة ..
بعد ساعتين عدت الى الغرفة .. جلست أراقب تنفسها العميق .. شىء ما منعنى من ايقاظها أو مداهمتها .. غير أنى لم أحب أن أكن مغفلا تماما ... فأغلقت باب الغرفة من الخارج .. ثم نمت أنا أيضا ..!
عندما فتحت عليها الغرفة .. كانت جالسة على طرف الفراش ...
.. كانت لها طريقة مختلفة ، ورائحة طازجة .. عفوية وصامتة .. كسرت برودة التوقع والاعتياد .. فأججتنى ، أشعرتنى أننى أمام أرض لا أعرفها .. لم تظهر براعة المحترفات ، فاطلقت براكين توحشى ، أعجبتنى اللعبة ،وأدهشتنى .. فقررت أن أسايرها وأصدقها .. لم تمنحنى أكثر مما طلبت ، و لم تمنع عنى شيئا طلبته ..
وكانت رجفة .. وكانت دمعة كبيرة تسيل على خدها .. ولزوجة ساخنة تسيل على فخذى الايمن ..
كنت لا أصدق ، وكنت أريد أن ابكى ، وكنت أصرخ فيها ، و كنت أرتعش ، وكنت أضربها كما لم أضرب امرأة من قبل ، وهى تتلقى الضربات بخنوع ذاهل ، ودموع منهمرة
هرعتُ الى الحمام، دخلتُ تحت تيار الماء الثلجى و أنا لا زلت اسبها ، وظللت طويلا أحك باطن فخذى بلوفة خشنة
عندما خرجت هامدا متراخيا لم أجدها ،
جلستُ طويلا أمام زجاج النافذة المغلق ، ثم لم أكف أبدا عن انتظارها ، و لا عن حك فخذى بلوفة خشنة مع كل حمام ، ولا عن الاحساس الدائم باللزوجة على فخذى الايمن .

سمير مصباح

الأحد، ١٣ يوليو ٢٠٠٨

اعتذار


ينبغى أن نحب بذكاء ، فالحب الغبى يجلب لمن نحب السوء ، ربما أكثر مما تجلب الكراهية .
هيجل