صورتي
الاسكندرية, Egypt
اصعب المعارك................................. تلك التى تهزمك دون ان تدخلها................ محظوظ من استطاع ان يخوض كل معاركه الحتمية........ ...............................................وعموما ..............................................الضربات التى لاتقتلك.................. اشد قسوة .................... سمير مصباح

الخميس، ٤ سبتمبر ٢٠٠٨

رمضان شهر الحنين والذكريات 2

كل عام وانتم بخير

كان أن صمدت حتى آذان الظهر. ثم بدأ العطش والجوع يصبحان اقسى مما كنت اظن ، وبدأت نظرات امى القلقة المشفقة تلاحقنى وهى تحاول ابرام اتفاقية معى .. فحواها أن افطر اليوم وتتعهد هى ايقاظى للسحور لاصوم غدا .. غير اننى كنت طفل عنيدا جدا .. وبدأ الوقت يمضى بطيئا وكأنه لن يمر أبدا .. ألهو مع اختى قليلا .. اسهو قليلا امام التلفاز مع فيلم لفؤاد المهندس وشويكار .. او مع عدد من اعداد مجلة ميكى .. احاول النوم فلا استطيع من شدة قسوة الجوع على معدتى الصغيرة .. أهرب من نظرات أمى و ملاحقتها لى فى كل مكان
الى أن اذن العصر ....
بعيدٌ هو المغرب فى نهارات اغسطس الحارة .. بعيدة هى الجنة و الرجولة وحب الله .. وقد بدأ العطش ينسينى وجع الجوع بمعدتى ..
نحن الآن بعد آذان العصر بقليل وقد بدأت اشعر ان لسانى قطعة من الصخر الساخن الجاف ترقد على رمال الصحراء .. تلتهب وتتحمص رويدا رويدا تحت شمس قاسية الطلعة .. وبدأت محاولات أمى تتحول الى نوع من الضغط العنيف .. ومع اصرارى .. صدرت نظرة حاسمة من أبى فتوقف الضغط من أمى .. وبدأت تنشغل فى مطبخها مع اقتراب المغرب .. وبدأت أنا من شدة الجوع والعطش أفقد الكثير من التركيز ، ويصيبنى خدر خفيف ..
بدأت بناء على نصيحة من أبى أدفع رأسى تحت ماء الصنبور البارد .. أرقب جريان الماء ، واتركه ينساب على رأسى الصغير .. أحس وكأن مسام جلدى ستمتص ذلك الماء من شدة تحرقى اليه .. أشعر به ينساب على شفتىّ
المغلقتين بشدة وكأننى أخشى أن تضعفا فتنفتحان مستسلمتان لندائه أو أن تفر قطرة الى فمى فتضيع صيامى
...
اقترب المغرب الآن كثيرا .. وبدأت حرارة الجو تخف شيئا فشيئا.. غير أن لهيب العطش والجوع لا ينطفئ ابدا .. بدأ الخدر الآن يتملكنى .. و يؤثر على كلماتى وحركتى .. وبدأت الاصوات فى الشارع تهدأ وتخف .. وبينما انا فى هذه الحالة من الخدر..اذا فجأة .. تخفت كل الاصوات ، ويعلو صوت من المذياع.. أشعر به يمر من كل مسامى .. ويتخللنى .. كما يتخلل الماء الصخور المتراكمة .. كان ذلك هو صوت الشيخ محمد رفعت .. ذلك الصوت الذى تشعر به قادما من بعيد .. واثقا وهادئا وطيبا .. لا هو ذلك الصوت الجواب الحاد المنذر، ولا هو ذلك الصوت القرار الخشن القاسى .. انما هو ذلك الصوت العميق المستقر الى أبعد الحدود .. فيه قدسية غريبة على الفهم .. ليست غريبة على الاحساس ..
جذبنى الصوت الى المذياع كما يسحب الهواء رائحة طعام امى الى أنوف الجميع لأجد أبى مستلقيا بهدوء على الكرسى الملاصق للمذياع .. كنت قد وقعت فعلا فى غرام ذلك الصوت .. غير ان اجابة ابى جعلتنى أهيم به غراما .. اذ فهمت أن هذا القرءان هو اشارة اقتراب آذان المغرب .. وأنه بمجرد أن ينتهى سوف ينطلق مدفع الافطار ..
اذن فقد اقترب مدفع الافطار من الانطلاق .. كان هذا كافيا لأرانى فى ملابس الفرسان على باب الجنة .. ينتظر الملائكة خطواتى الاخيرة ليستقبلونى بالورود والاهازيج ساعدنى على ذلك تلك النسائم الباردة التى بدأت تهب على وجهى من مغارب الشمس عندما خرجت وأختى الى الشرفة
كانت الشوارع اكثر هدوءا وكثيرا من المحال بدأت فى الاغلاق .. وصوت الشيخ محمد رفعت ينطلق من كل البيوت والمحلات .. بدى للشارع شكل ورائحة غير ما اعتدت .. حتى احجار البازلت السوداء التى تكسو بدنه بدت مختلفة .. وكأن جنية ما لمست المدينة بعصاها المسحورة ..
واخيرا ....... انطلق مدفع الافطار .. مدفع انتصارى .. هييييييييه
وتسابقنا .. انا واختى الى الصالة .. كانت والدتى قد انتهت من اعداد كل شىء.. اصناف الطعام على المائدة الكبيرة التى تحتل ركن الصالة .. لا اذكر تلك الاصناف غير أننى أذكر جيدا انه كان اشهى ما اكلت فى حياتى ..
اندفعت الى الماء البارد .. بينما امى وابى يحاولان تهدئتى .. يحاولان أن ابدأ بكوب التمر باللبن أو بأى طعام .. يصرخون ورغم ذلك المح فرحة عيونهم .. لا تملأ بطنك بالماء .. لن تستطيع أن تأكل .. غير أنى لا املك نفسى .. الماء البارد الذى راح يعانق حلقى لن يستطيع جنى أو عفريت ان يمنع تدفقه الى فمى .. أن يوقف تغلغله فى نسيج لسانى وكأنه الحياة نفسها تعود الى الجسد الذى أوشك على الموت والجفاف
كان هذا انتصارى الاول الكبير .. رحت التهم الطعام مخيبا ظن والدى باننى لن اتمكن من الاكل بعد كمية الماء الرهيبة التى تجرعتها .. كان اشهى طعام اكلته فى حياتى بالطبع .. على خلفية مسلسل اذاعى مرح . . وبالطبع كانت حالة الرضى والاستمتاع تطغى على كل شىء وتجعلنى ارى كل شىء جميلا ورائعا .. بعد ان انتقلت اطعمة امى الرائعة من على المائدة لتستقر آمنة مطمئنة فى معدتى ..

وتمر سنوات طويلة بعد ذلك .. ضاع منى فيها ذلك الطفل .. واكتسبت عادة تلازمنى الى الان .. فمع كل رمضان .. واينما كنت فى مدن الله ، انزل الى شوارع المدينة بعد العصر ، اقطع ما استطعت من المدينة سيرا ، نصف خدرا , ابحث عن ملامحها القديمة ، احاول اكتشاف روحها ، دائما تشدنى غريزتى الى شوارع البازلت الاسود ، والبيوت العتيقة ، ابحث فى ملامحها ، وفى وجوه البشر ، عن شىء غير محدد ، وضبابي الى حد كبير ربما كان طفلا ضاع منذ زمن بعيد

هناك ١٥ تعليقًا:

كـــيــــــــارا يقول...

كل سنه اونت طيب
وطبعا رمضان عمري مايحلي الا بالذكريات والحنين بس اكد علي الحنين :)

speaking يقول...

كانت هناك لحظة قبل الأذان تقف في البلكونه تستمع لنفس الصوت يخرج من كل البيوت كأنه لا صوت في الدنيا غير القرأن
الراديو هذا الجهاز الجميل الذي انقرض
وأثناء الأفطار اذا اقتربت من البلكونه فأنت تستمع لأغنية المسلسل الإذاعي الجميل مع قليل من رائحة وبقايا ضوء الغروب
كأن الدنيا كلها كانت تجتمع لنفس الفعل
اليوم بناءا علي رغبة الصغار صراع يومي علي أنواع الكرتون والمسلسلات والبرامج الكوميدية قبل وبعد الأذان

أشياء جميله جدا كانت تحدث ونسينها ضمن ما نسينا
شكرا لك علي إعادة هذه اللحظات

أسماء علي يقول...

ا\سمير مصباح

وصفك لصومك وأنت طفل أكثر من رائع ..

ذكرتني بما كانت تفعله أمي لكنني كنتُ وصلت لاتفاقية بصيام يوم وافطار يوم .

..
و كلنا مازلنا نبحث عن ذلك الطفل الذي لم يتبق منه سوى ملامح ضبابية ..
..

مواصلين معك باقي الذكريات الجميلة من قلم راقي و رائع ..

دمت بود

هويدا صالح / عشق البنات يقول...

ممكن بس أمسي أو أصبح عليك
مش أقدر أتكلم في النص
بس حبيت أقول عديت وقريت
وأكيد هرجع تاني

سمير مصباح يقول...

يا جماعة اسف جدا
كنت غلطان فى اسم الشهر
كتبت يونيو بدلا من اغسطس

قمت بتصحيحها فى التدوينتين


اسف يا جماعة الظاهر الزهايمر بدأ زحفه المقدس

سمير مصباح يقول...

كيارا

اهلا بكى فى اول زيارة واتمنى ماتكونش الاخيرة
كنت عايز اعزمك على حاجة بس اعمل ايه وانت زورتينى فى رمضان
يالله بقى رمضان كريم

وبالنسبة للحنين الشهر ده كله عندى حنين
وهتلاحظى ده فى التدوينات القادمة

دام تواصلك

سمير مصباح يقول...

العزيزة speaking

اشكرك كثيرا واتمنى ان اكون اجدت التعبير
فقد اختصرت الكثير من الاحاسيس واللحظات التى كنا نخياها فى ذلك الزمن لاننى بطبعى لا استطيع الكلام عن نفسى كثيرا
وربما تكون تلك هى المرة الوحيدة التى اكتب بها بهذه الطريقة من الذاتية

اوافقك على كل ما قلتيه وانا الى الان اتمنى ان يفعل التليفزيون كما كان يفعل قديما فيتوقف عن البث لساعة او اكثر ليترك الفرصة لعقولنا للتأمل وللراديو ليكتشف الناس جماله

دامت مودتك

سمير مصباح يقول...

الرائعة د\أسماء
تقديرك وكلماتك يمنحوننى الكثير من السعادة
اسعدنى ان يلمسك ما كتبت
وكما قلت من قبل
حبة براءة حبيت ارميهم على المدونة واخلص منهم


دامت مودتك

سمير مصباح يقول...

الجميلة هويدا صالح

اجمل مسى واحلى صباح

متابعتك لمدونتى قد يصيبنى بالغرور

اتفهم جيدا عدم استطاعتك التعليق على العمل فهو بالفعل يخرج عن نطاق الادب وان هو الا بعض فضفضة احاول ان امرن فيها قلمى فبل ان يصدأ تماما

مجرد مرورك وقرائتك يسعدنى

وبالتأكيد فى انتظار عودتك
وهفرشلك المدونة رمل من دلوقتى

دام ودك

HANY YASSIN يقول...

جميلة جداً هذه الذكريات الرائعة
الطفولة البريئة التي تبحث عن ارضاء الله
بلا اعطاء اية اعذار
كما كان الشعور رائعاً عندما يؤذن للمغرب
دمت رائعاً
تحياتي
هاني يس

لا أحد يقول...

جميل بوحك

سمير مصباح يقول...

HANY YASSIN

كم يسعدنى تواصلك
ويا عزيزى لو تركت لنفسى العنان لظللت اكتب عن هذه المرحلة الى الابد
فلا اظننا كنا ابدا صادقين مع انفسنا مقدار صدقنا فى هذه المرحلة من الطفولة
وكلما ضعنا من انقسنا اكثر كلما زاد حنيننا الى تلك اللحظات
اشكرك ولك منى كل الود

سمير مصباح يقول...

لا أحد
مرحبا بكى فى مدونتى المتواضعة
اشكرك واتمنى ان تعاودى زيارتك
دمتى بخير

حسن ارابيسك يقول...

أخبرتك في البوست السابق أنك تحكي لنا بلسان حالنا في تلك الأيام وهي نفس المواقف الجميلة والجريئة والشقية ونحن في أحضان أهالينا ننعم بأحلى أيام لنا في العمر
وكبُر العمر ومازلنا نحن لتلك الأيام ولك شئ فيها ثم نفعل كما ذكرت نبحث عن أنفسنا نبحث عن بقية الصورة التي كانت تضمنا فلا نجدها عندما نتجول نبحث عنها في الشوارع وبين البيوت وفي أعين الناس
قلبت علينا المواجع هي ناقصة
تحياتي
حسن أرابيسك

سمير مصباح يقول...

سلطان التراث حسن ارابيسك

وجودك بمدونتى يا صديقى يخفف من احساسى بالغربة
اشكرك على كلماتك المعبرة
ومعلش يا عم حسن يعنى هى جت على سمير الغلبان يعنى ومش مستحملين كلامه


دمت يا سلطان